كيف تفتتح عملاً تجارياً ناجحاً في قطاع الأغذية والمشروبات ؟
من بعيد، قد يبدو افتتاح مطعم أو مقهى أمرًا بسيطًا. خذ قرضًا من البنك بمبلغ 70 ألف ريال مثلًا، ثم اختر محلًا، وصمّم شعارًا وبعض الأكواب والأوراق، ووفّر بعض محاصيل القهوة والموارد المناسبة للأطباق، وعيّن بعض العمال وابدأ البيع.
لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا.
افتتاح مطعم أو مقهى أو أي عمل تجاري في قطاع الأغذية والمشروبات هو عملية دقيقة تتطلب تخطيطًا دقيقًا، تمامًا كأي نوع آخر من المشاريع التجارية.
إذا تجاهلت مرحلة التخطيط وتعاملت مع الأمر وكأنه بسيط وسهل، فأنت تُعرّض مشروعك التجاري لفشل كارثي بأسرع وقت ممكن.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على أساسيات إطلاق مشروع تجاري ناجح في قطاع الأغذية والمشروبات. سنتحدث عن الخطوات الصحيحة لتجنّب المخاطر والخسائر، ولتسلك طريق النجاح.
سنُبسّط الأمور دون الدخول في تعقيدات كثيرة قد تجعل الأمر يبدو مستحيلًا. هناك أربع ركائز أساسية في عالم الأعمال والتسويق تُعرف باسم الـ 4P's:
المنتج (Product)
المكان (Place)
السعر (Price)
الترويج (Promotion)
وهذه قاعدة ممتازة يجب أخذها في الحسبان ولو أنها أصبحت قديمة وتطورت ليضاف لها عناصر أكثر، لكنني أرغب في إضافة بعض التفاصيل لتكون أكثر دقة وتناسبًا مع احتياجات المشاريع التجارية في قطاع الأغذية والمشروبات، حيث سيكون تركيزنا كالتالي:
صاحب المشروع
السوق
العملاء المحتملون
المنافسون
المكان
السعر
الترويج
1. صاحب المشروع:
لا شك أن شخصية صاحب المشروع أو المدير التنفيذي أو أي شخص في موقع القيادة لها أثر كبير في المشروع التجاري، إما بشكل إيجابي أو سلبي.
لكن كيف نحول هذا الأثر إلى تأثير إيجابي؟
بما أننا نتحدث عن قطاع الأغذية والمشروبات، فأنت بلا شك تمتلك تفضيلاتك الشخصية كصاحب مشروع. بعضنا يفضل الطعام والمخبوزات الفرنسية، وبعضنا يعشق كل ما هو إيطالي، وآخرون يميلون إلى الوجبات السريعة... وهكذا.
لذا عليك أن تبحث عن شغفك وتجد طرقًا مميزة لتقديمه كمنتج، إما من خلال تطويره وإضافة لمساتك الخاصة عليه، أو من خلال تحسين الخدمات الداعمة له (مثل تقديمه بشكل أسرع، أو في طبق خاص، إلخ...).
2. السوق:
بعد أن حددت قائمة ميولك في مجال الأغذية والمشروبات، يجب الآن أن تبحث عن مدى توافقها مع السوق.
قد يكون ما تحبه متوفرًا بكثرة في السوق، مما يجعل دخولك محفوفًا بالمخاطر، أو قد يكون نادرًا، لكن لأسباب تتعلق بثقافة الاستهلاك أو العادات الاجتماعية!
لذلك يجب أن تُعدّل منتجك ليكون في المنتصف، لا تميل إلى أحد الطرفين، لتتجنب المخاطر أو المنافسة الزائدة.
3. العملاء المحتملون:
هذه الخطوة تُعد جزءًا من دراسة السوق، لكني أحب أن أفرد لها مساحة مستقلة لأنها مهمة، تمامًا كمرحلة تحليل المنافسين.
في دراستك للسوق، يجب أن تُحدد من هم عملاؤك المستهدفون:
أين يتواجدون؟
ما أسلوب حياتهم؟
ما قدرتهم الشرائية؟
ما تفضيلاتهم الثانوية؟
ما اهتماماتهم خارج نطاق الطعام والشراب؟
هل هم أفراد أم جهات قد تشتري منتجاتي بكميات كبيرة وبأسعار الجملة؟
ما قنوات التواصل التي يستخدمونها أكثر؟
4. المنافسون:
في التقاليد العسكرية، هناك مقولة: "من لا يعرف عدوه عن ظهر قلب، هزيمته في الحرب حتمية."
منذ الحرب العالمية الثانية وظهور الاقتصاد العالمي وتشابك التجارة الدولية، بدأت كثير من الدول بإدخال مفاهيم التخطيط الحربي في الاقتصاد والتجارة، باعتبارها ساحة معركة، لكن العدو هنا هو المنافس، ويجب التفوق عليه.
لذلك دخول أي سوق دون دراسة المنافسين المحتملين بالتفصيل يُعد ضربًا من الجنون يعرضك لمخاطر لا تنتهي.
ركّز على نقاط قوة منافسك، وطور استراتيجيات تتجاوزها لتصل إلى ما يُعرف بـ "الميزة التنافسية"، والتي سنتحدث عنها في مقال قادم.
وركّز كذلك على نقاط ضعفه ومواطن الخلل لديه، لتتجنبها وتُقدّم منتجًا مثاليًا لعملائك.
ادرس كل ما يخطر ببالك: خدمة العملاء، الأسعار، ديكور المكان، الهوية البصرية، طرق التسويق، المنتجات، الجودة، المواد المستخدمة، فريق العمل، التقنيات...
كلما جمعت معلومات أكثر عن منافسيك، أصبحت أقوى.
فمعرفة البيئة المحيطة بك تُعزز من قدرتك على اتخاذ قرارات سليمة وتقلّل من المخاطر.
ودراسة المنافسين ليست مرحلة مؤقتة تنتهي، بل هي شريان الحياة لمشروعك.
إذا توقفت عن دراسة منافسيك، ستتوقف عن المنافسة، وبالتالي ستخسر.
ولتبسيط الأمر، إليك نوعين من المنافسة:
المنافس المباشر: من يقدم نفس المنتج في نفس المكان
المنافس غير المباشر: من يقدم نفس المنتج في مكان مختلف، أو من يقدم منتجًا مختلفًا في نفس المكان لكنه يخدم نفس العميل المستهدف
5. المكان:
اختيار المكان عنصر أساسي في عملية البيع والتسويق.
الوجود في المكان الصحيح يعني الوصول بسرعة لعملائك المحتملين، واختيار المكان الخطأ يزيد من تكلفة جذب العملاء إليك.
مثلًا، إذا كان مشروعك يتمحور حول تقديم قهوة وفطور سريع للموظفين قبل الذهاب للعمل، فمن الضروري أن تبحث عن موقع جغرافي قريب من مكاتب الشركات. هذا سيسهل وصول العملاء إليك، ويجعلك خيارهم الأول كل صباح.
أما إذا فتحت فرعك في منطقة بعيدة عن المكاتب، فمن سيأتيك؟ قد يزورك بعض الموظفين أو الطلاب المارين أو الساكنين قريبًا، لكن ذلك قد لا يكون كافيًا لتغطية التكاليف.
لذا عليك دراسة كل المواقع المتاحة واختيار الأنسب لعميلك المستهدف.
6. السعر:
تسعير المنتج يعتمد على استراتيجيتك التسويقية وعلى المنتج نفسه.
لنواصل المثال السابق: استراتيجيتك هي تقديم قهوة وفطور سريع للموظفين صباحًا بجودة متوسطة وسعر مناسب لكي تكون جزءاً من روتينهم اليومي المتكرر.
هنا يجب عليك تخفيض التكاليف، واتباع سياسة الأسعار المنخفضة، بتقليل هامش الربح والاعتماد على حجم مبيعات أكبر.
ومن الأمثلة على هذا النوع من المقاهي، مقهى "سيمبليستي".
أما إذا كنت تعتمد على تقديم منتجات مبتكرة وعالية الجودة وديكور مميز يمنح الزبون تجربة فريدة، فقد تتجه إلى استراتيجية التسعير المرتفع، لتضع نفسك في موقع مميز بالسوق يمنح عملاءك إحساسًا بالتميز والمكانة الاجتماعية العالية، بحيث لا تكون متاحًا لأصحاب الدخل المتوسط أو المحدود.
هذا ما يُعرف بـ التموضع (Positioning)، وهو من الركائز الأساسية في استراتيجية العلامة التجارية والتسويق، وسنخصص له مقالًا مفصلًا لاحقًا، ولكن جزءٌ كبير من استراتيجية التسعير الخاصة بك بعتمد على التموضع.
7. الترويج:
بناءً على كل البيانات السابقة التي تم تحديدها بدقة وبناءً على دراسات السوق، سنطوّر الاستراتيجية التسويقية المناسبة التي تمنحنا تواصلًا فعّالًا مع العميل المستهدف.
هنا يجب تحديد الرسائل التسويقية المناسبة لاستراتيجيتنا التجارية. في الترويج، هناك رسالتان أساسيتان:
الوضع الحالي: نُركّز فيها على الفرق الكبير الذي سيشعر به العميل إذا جرّب منتجنا الآن.
الوضع المستقبلي: نُركّز فيها على كيف سيكون مستقبل العميل إذا جرّب منتجنا.
لنوضّح ذلك:
إذا كانت استراتيجيتنا (كما في المثال السابق) تقديم قهوة وفطور صباحي بسرعة كبيرة وجودة متوسطة وسعر منافس للموظفين، فسنتبع الاستراتيجية الأولى ونُركّز في تسويقنا على تحسين الوضع الحالي للعميل.
نقول له: أنت موظف نشيط ومميز، وقهوتنا وفطورنا يساعدونك في الحفاظ على طاقتك وتألقك في العمل.
وقد نُركّز على السعر بأنه مناسب لميزانيتك ولن يؤثر عليها كثيرًا.
أما في المثال الثاني (مقهى بتجربة مميزة وديكور فاخر ومنتجات مبتكرة)، فنُركّز على الوضع المستقبلي، ونُظهر للعميل كيف سيعيش لحظات راقية ومكانة اجتماعية يحلم بها عند زيارتنا، وسيحظى بلحظات خالدة في ذاكرته. وإن درس أو عمل عندنا، قد يصبح ناجحًا في المستقبل.
بهذه الاستراتيجيات البسيطة، سنُنشئ محتوى مناسب لمكانتنا في السوق واستراتيجية علامتنا التجارية، ونُواصل بشكل فعّال مع العملاء المحتملين لزيادة المبيعات وتعظيم الأرباح.